المصدر

يذكر النصّ التأسيسي لليونسكو الصادر عام 1945 أنّ الحروب تنشأ في أذهان الناس، لذا يجب تنمية دفاعات السلام في النفوس…

« شَمِل » حركة مدنية « لاعنفية، لا طائفية » أسّسَها الدكتوران أوغاريت يونان ووليد صليبي عام 2008 إيماناً بقوّة النضال اللاعنفي في حلّ النزاعات بالطرق السلمية ولترسيخ قيم المواطنة. من أبرز أهدافها « ثقافة الحياة واللاعنف مقابل الظلم والفتنة، أمّهات لاعنفيّات، توطيد المصالحة، بناء جسور إنسانية، إعداد شباب لا طائفيين، والنضال من أجل حقوق أساسية تصونها القوانين المحلية ».

تقديراً لمساعيها وعطاءاتها، تسلّمَت « شمل » ممثّلة بالناشطين هلا بوعلي ورفيق زكريا، يوم السبت 14 كانون الأوّل، #جائزة « الوقاية من النزاعات والسلام في لبنان » لعام 2019، في جامعة القديس يوسف في بيروت. الجائزة السنويّة قدّمتها مؤسسة غزال الداعمة للشباب ولثقافة السلام، مركزها باريس. أثنى رئيسها ميشال غزال على نضال « شمل » الذي يساهم في نسج علاقات وتواصل بين المناطق والطوائف والمذاهب؛ فمن خلال عملها مع الشباب اللبناني، باتت المجموعة، بنظره، من صانعي السلام في الوطن الواحد والمتعدّد؛ ويؤكّد أنّها تُساعد في هدم الحواجز وتعزيز مفاهيم إدارة النزاعات مع تكريس احترام الآخر… « فالتربية على اللاعنف تحافظ على التضامن وعلى العيش المشترك، وهما من جوهر القيم اللبنانية ».

شارك في التحكيم الوزير السابق الدكتور طارق متري، السيدة نجاة صليبا الحائزة على جائزة الأونيسكو للنساء والعلوم، رئيسة جمعية AFEL أمال باسيل الفائزة في جائزة غزال للعام المنصرم، والسيدة أليس كيروز سليمان سفيرة السلام في الفدرالية الدولية للسلام والناشطة في مجال حقوق الطفل.

رأت كيروز أنّ الشباب يلعب دوراً أساسياً نظراً لقدراته في بناء غد واعد على أسس السلام والأمان من أجل كرامة الإنسان، « ما يجري في ساحات الوطن منذ شهر ونيّف فسحة أمل في ظلمة حالكة ».

من ناحيتها، تشرح د. أوغاريت يونان عن تفاعل « شَمِل » مع الشباب في المناطق والمدارس، منوّهة بالفكر القوي والحرّ الذي يتمتع به الجيل الجديد، مشيرة إلى أنّ أخطر ما قد يقع فيه الفرد والمجتمع هو الطائفية والعنف. لكنّ الثورة وطّدت مفاهيم لاعنفية؛ « لبنان ينتفض. الأهم أن ينتفض الناس على أنفسهم وليس فقط على الزعماء، كي لا يبقوا طائفيين. فحين يكون الفرد في انتفاضة يجب أن يدرك أنّه يتغيّر. وكلما تَغيّر اللبناني إلى الأفضل، تحسّن لبنان ».

تتابع يونان أنّ الفنّ يحتوي قيم اللاعنف. فالاحتفال الذي قدّمته الإعلامية تانيا غرّة بمناسبة تسليم الجائزة، افتتحته الفنّانة القديرة ألين لحود بأداء النشيد الوطني اللبناني، وقد أضيف عليه عبارة « للشباب والرجال »، وأدّى بصوته المميّز الباريتون فادي جانبار أغنية حول الحريّة والوطن. أمّا لين حايك الفائزة بـThe Voice Kids 2018، فأدّت أغنية Imagine،  أنشدها في العربية جورج عاصي، جوان جبور، جاد عزالدين، فالنتينا كركي، مردّدين: « تخيّلوا لو أنّ كلّ الناس يعيشون بسلام »…

Volume 0%

« شَمِل » مجموعة تضمّ كوادر محترفين حائزين على ماستر في حقوق الإنسان واللاعنف من جامعة AUNOHR، أسّسها أيضاً يونان وصليبي. ويستفيد من المدرّبين المحترفين مدارس وجمعيات في لبنان والدول العربية ومنظمات غير حكومية.

لوطن يقوم على احترام الحقوق والعدالة والمساواة

تصرّح هلا بوعلي المنسقة العامة للجمعيّة، أنّ « شمل » « مواطنون لا طائفيون، لاعنفيون »، حركة ليست حزباً ولا جمعية بالمعنى التقليدي للكلمة، ليست محايدة بل لها منطقها المدافع عن الحقوق والحريّات ونظرتها بمواجهة الظلم، تغييرية لاعنفية إذ إنّ العنف يهدّد دائماً وجود الآخر وصولاً إلى إلغائه.

تُحدِّثُ بوعلي « النهار » عن النشاطات. تلحظ أنّ الجمعيّة توصلّت إلى إيجاد بدائل عن قوانين طائفية كقانون أحوال شخصية موحّد نوقش في اللجان البرلمانية، وأعادت إحياء القوانين المتعلّقة بالتحريض الطائفي لتفادي الحروب المذهبية؛ وتضغط لشطب المذهب عن إخراج القيد والهوية… هذا، وقد ساهمت في مصالحات لبناء جسور تواصل بين أطراف متنازعة. فتروي الناشطة عن خبرتها في منطقة مزرعة الشوف حين ساهمت « شمل » في طيّ مرحلة الحرب والتئام الجروح. دفَعت أوّلاً المعنيين إلى اعترافهم بأخطائهم أثناء الحرب، وأعدّت ثانياً رسائل مصوّرة مع السكان عُرِضت على المهجّرين لإعادة بناء تواصل وروابط إخاء بين دروز ومسحيي القرية. دعت ثالثاً أهالي مزرعة الشوف من الطائِفَتَين إلى تجمّع موسّع للقاء والحوار.

منذ 2018 تزور « شمل » مدارس رسمية وخاصة لتدفع الشباب إلى تكوين فكر نقدي ولتغيير نظرتهم للآخر.

بحسب بوعلي، عملت المجموعة في جبل محسن وباب التبانة مع تلامذة نقلت إليهم مفاهيم إنسانية. « فهموا أنّ لديهم حاجات ومشاعر مشتركة، فما يجمعهم أهمّ من الآراء السياسية: كلّنا نخاف، نحبّ، نبكي، نحزن… المشاعر الإنسانية نقاط تلاقٍ ». إنّ البرامج المستحدثة حول اللاعنف واللاطائفية وحقوق الإنسان مقسّمة إلى ثلاث أجزاء: « توعية وتحسيس على مفاهيم اللاطائفية واللاعنف؛ تحفيز الشباب على بناء لغتهم والتعبير عن أفكارهم بالفنّ (رسوم، مقالات، مسرح)؛ القيام بخدمة مجتمع كتعاون بين تلاميذ في جبل محسن وغوسطا التَقوا في جوّ إنساني، أتى خلاله طلاب جبل محسن بمشروع يساعد طلاب غوسطا على ترميم ملعبهم المدرسي بعيداً من كلّ الأحكام المسبقة الطائفية ».

خلال الحفل، التقينا لين حزيقي وفاطمة حاطوم من مدرسة بيصور الرسمية، فأخبرتانا عن النشاطات التي أقامتها « شمل » مع صفّهما وعن المواضيع الساخنة التي بُحِثَت، كمنح المرأة الجنسية لأولادها وقضايا حقوقية؛ تَعتبر الصبيّتان أنّ « البرامج شيّقة طَرَحَت أفكاراً جديدة ». 

ختاماً، لا بدّ من ذكر أنّ أوغاريت يونان أطلقت مجموعة أمّهات لاعنفيات تبنّتها « شمل » منذ ما يقارب العشر سنوات. حسب ما تروي: « تَنادى أعضاء من المجموعة بطريقة عفوية وهبّوا للانضمام إلى المسيرة التي انطلقت يوم 27 تشرين الثاني 2019 في عين الرمانة-الشياح رفضاً للفتنة ». تُعلّق يونان: « الأمّ تعطي الحياة وهي تهبّ للدفاع عن أولادها في الساحات دون تردّد »، مستكملة أنّ المجموعة تحاكي الضمائر وتحثّهم على نبذ العنف؛ قسمها واضح: « نحن أمّهات لاعنفيّات، نقسُم لأولادنا، لن نسمح أن يَقتُلوا، لن نسمح أن يُقتَلوا، لن نسمح أن يَتَقاتَلوا، هم كلّهم أولادنا ».